محمد علي (1769 -1849) باني مصر الحديثة وحاكمها ما بين 1805-1848. بداية حكمه كانت مرحلة حرجة في تاريخ مصر خلال القرن التاسع عشر حيث نقلها محمد علي من عصور التردي إلي أن أصبحت دولة قوية يعتد بها.
ولد محمد علي في مدينة (قَـوَلة) الساحلية في جنوب مقدونيا عام 1769 ، وهو تركي عثماني لا يمتُّ للألبانيين و لا لصقالبة مقدونية و لا يونانها بسببٍ و لا نسب ولكنه حين قدم مصر جاء مع الفرقة الألبانية التي أرسلها السلطان العثماني إلى مصر مما أشْكَلَ أمره على البعض فحسِبَ أنّ له أصلاً ألبانياً.
كان محمد علي قد إختاره المصريون ليكون واليا على مصر في 17 مايو عام 1805 حيث قضى علي المماليك في مذبحة القلعة الشهيرة وكانوا مراكز قوي ومصدر قلاقل سياسية ، مما جعل البلد في فوضي وقضي علي الإنجليز في معركة رشيد وأصبحت مصر تتسم بالإستقرار السياسي لأول مرة تحت ظلال الخلافة العثمانية فلقد بدأ محمد علي بتكوين أول جيش نظامي في مصر الحديثة وكان بداية للعسكرية المصرية في العصر الحديث
تمكن محمد علي من أن يبني في مصر دولة عصرية على النسق الأوروبي، واستعان في مشروعاته
الإقتصادية والعلمية بخبراء أوروبيين، ومنهم بصفة خاصة السان سيمونيون الفرنسيون، الذين أمضوا في مصر بضع سنوات في الثلاثينات من القرن التاسع عشر، وكانوا يدعون إلى إقامة مجتمع نموذجي على أساس الصناعة المعتمدة على العلم الحديث وكانت أهم دعائم دولة محمد علي العصرية سياسته التعليمية والتثقيفية الحديثة فقد آمن محمد علي بأنه لن يستطيع أن ينشئ قوة عسكرية على الطراز الأوروبي المتقدم، ويزودها بكل التقنيات العصرية، وأن يقيم إدارة فعالة، وإقتصاد مزدهر يدعمها ويحميها، إلا بإيجاد تعليم عصري يحل محل التعليم التقليدي وهذا التعليم العصري يجب أن يُقتبس من أوروبا.
وبالفعل فإنه طفق منذ 1809 بإرسال بعثات تعليمية إلى مدن إيطالية (ليفورنو ، ميلانو ، فلورنسا ،
و روما) لدراسة العلوم العسكرية، وطرق بناء السفن، والطباعة وأتبعها ببعثات لفرنسا، كان أشهرها بعثة 1826 التي تميز فيها إمامها المفكر والأديب رفاعة رافع الطهطاوي، الذي كان له دوره الكبير في مسيرة الحياة الفكرية والتعليمية في مصر فلأول مرة أصبح التعليم منهجيا فأنشأ المدارس التقنية ليلتحق خريجوها بالجيش.
لقد كانت إنجازات محمد علي تفوق كل إنجازات الرومان والروم البيزنطيين والمماليك والعثمانيين لأنه كان طموحا بمصر ومحدّثا لها ومحققا لوحدتها الكيانية وجاعلا المصريين بشتي طوائفهم مشاركين في تحديثها والنهوض بها معتمدا علي الخبراء الفرنسيين وكان واقعيا عندما أرسل البعثات لفرنسا واستعان بها وبخبراتها التي إكتسبتها من حروب نابليون ولم يغلق أبواب مصر بل فتحها علي مصراعيها لكل وافد وانفتح علي العالم ليجلب خبراته لتطوير مصر وأوجد زراعات جديدة كالقطن وبني المصانع واعتني بالري وشيد القناطر الخيرية علي النيل عند فمي فرعي دمياط و رشيد .
ولما استطاع محمد علي القضاء علي المماليك ربط القاهرة بالأقاليم ووضع سياسة تصنيعية و زراعية موسعة. وضبط المعاملات المالية والتجارية والادارية والزراعية لأول مرة في تاريخ مصر. وكان جهاز الإدارة أيام محمد علي يهتم أولا بالسخرة وتحصيل الأموال الأميرية وتعقب المتهربين من الضرائب وإلحاق العقاب الرادع بهم. وكانت الأعمال المالية يتولاها الأرمن والصيارفة كانوا من الأقباط والكتبة من الترك .لأن الرسائل كانت بالتركية.
وتبني محمد علي السياسة التصنيعية لكثير من الصناعات . فقد أقام مصانع للنسيج ومعاصر الزيوت ومصانع الحصيران أسرة محمد علي باشا كانت بانفتاحها و تنورها سبباً هاماً لازدهار مصر و ريادتها للعالم العربي منذ ذلك الوقت ، و قد أنهت تحكم المماليك الشراكسة (الجائر و المتحجر) بخيرات مصر.
و كان محمد على قد عرض على السلطان العثمانى اعطاءه حكم الشام مقابل دفعه لمبلغ من المال ألا أن السلطان رفض لمعرفته بطموحات محمد على و خطورته على حكمه و استغل محمد على ظاهرة فرار الفلاحين المصريين إلى الشام هرباً من الضرائب و طلب من احمد باشا الجزار والى عكا اعادة الهاربين اليه و حين رفض والى عكا اعادتهم استغل محمد على ذلك وقام بمهاجمة عكا و تمكن من فتحها واستولي علي الشام وانتصر علي العثمانيين عام 1833 وكاد أن يستولي علي الآستانة العاصمة إلا أن روسيا وبريطانيا وفرنسا حموا السلطان العثماني وانسحب عنوة ولم يبقى مع محمد على سوي سوريا وجزيرة كريت .
وفي سنة 1839 حارب محمد على السلطان لكن روسياوبريطانياوفرنسا أجبروه علي التراجع في مؤتمر لندن عام 1840 بعد تحطيم إسطوله في نفارين. كما فرضوا عليه تحديد أعداد الجيش والإقتصار علي حكم مصر لتكون حكما ذاتيا يتولاه من بعده أكبر أولاده سنا حيث عزله أبناؤه في سبتمبر عام 1848 حيث كان قد أصيب بالخرف ومات بالإسكندرية في أغسطس 1849 ودفن بجامعه بالقلعة بالقاهرة.
الرجاي الرد علي الموضوع