وُلدت كاترين من أبوين غنيين بالإسكندرية في نهاية القرن الثالث الميلادي. كانت تتحلى من صغرها بالحكمة والعقل الراجح والحياء. التحقت كاترين بالمدارس وتثقفت بعلوم زمانها، وكانت مثابرةعلى الاطلاع والتأمل في الكتاب المقدس. ولما بلغت الثامنة عشر كانت قد درست اللاهوت والفلسفة على أيدي أكبر العلماء المسيحيين حينذاك، فعرفت بُطلان عبادة الأوثان وروعة المسيحية
في عام 307م حضر القيصر مكسيميانوس الثاني إلى الإسكندرية، وكان مستبدًا متكبّرًا يكره المسيحيين، يجد مسرّته في تعذيبهم والفتك بهم، فأمر بتجديدالشعائر الوثنية بعد أن اهتزّت تمامًا بسبب انتشار المسيحية . أصدر مكسيميانوس منشورًا بوجوب الذهاب إلى المعابد الوثنية وتقديم القرابين لها ، وإلا تعرّض الرافضون للعذابات والموت.
فوجد الوثنيون فرصتهم لإحياء العبادة الوثنية، وإشعال روح التعصب ضد المسيحيين. انطلقوا إلى المعابد يحملون معهم الضحايا للذبح. وإذ أرادمكسيميانوس مكافأتهم أقام لهم حفلاً كبيرًا قدم فيه للآلهة عشرين عجلاً، وأصدرأمرًا مشددًا بأن يتقدم المسيحيون بذبائحهم وقرابينهم للأصنام في هذا الحفل وإلالحق بهم الموت.
فسخر المؤمنون بهذا الأمر، كما لم تخف كاترين بل كانت تشدّد المؤمنين وتقوّيهم. أدركت بأن الاضطهاد سيحل على المؤمنين فاتخذت قرارًا تتقدم لمكسيميانوس مندّدة بأصنامه وأوثانه.
وفي يوم الاحتفال دُهش كل الحاضرين إذ لاحظوا فتاة جميلة في الثامنة عشر من عمرها تخترق بكل جرأة وشجاعةالصفوف وتتلّمس المثول لدى الإمبراطور، الذي كان جالسًا بين رجال الدولة وكهنةالأوثان بحللِهم الأرجوانية المذهّبة.
و بكل جرأة وقفت كاترين أمام الإمبراطورتقول له:
يسرّني يا سيدي الإمبراطور أن أترجّاك أن توقف منشورك لأن نتائجه خطيرة".
ثم بدأت تتحدث باتزان وهدوء وبغير اضطراب، وكان الإمبراطور يصغي إليها في ذهول وغضب.
و ذهل القيصر من جمالها وشجاعتها واستدعاها إلى قصره وأخذ يعدها
بزواجه منها، ولكنها رفضت. و بدأت تتحدث عن الإله الحي خالق السماء والأرض وتُهاجم العبادة الوثنية.أجابها الإمبراطور أنه ليس ملمًا بعلوم الفلسفة ليرد علىكلامها، وأنه سيرسل لها علماء المملكة وفلاسفتها ليسمعوا لها ويردّوا عليها ويهدمواعقيدتها وأفكارها.بالفعل أرسل الإمبراطور إلى عمداء الكلام والفلاسفة الوثنيينليحضروا اجتماعًا غير عادي لمناقضة هذه الشابة المغرورة، كما دعا كبار رجال البلاطوالدولة للحضور. وفي الموعد المحدد دخل مكسيميانوس يُحيط به كبار رجاله في عظمةوعجرفة، ثم اُستدعيت الفتاة ودخلت في هدوء بغير اضطراب. استعدّت القديسة بالصلاةوالصوم وتشدّدت بروح اللَّه القدوس، ثم بدأت المناقشة بينها وبين الفلاسفةالوثنيين، ثم تحدّثت عن المسيحية
كانت تتحدّث بكل قلبها، تحمل سلطانًا كما من السماء. تحدّثتبكل قوة عن محبة اللَّه المُعلنة خلال الخلاص .
اقتنصت كاترين قلوب الكثيرين؛ وكانت المفاجأة أن الفلاسفة طلبوا من الإمبراطور أن تواصلالفتاة حديثها، وأنهم يشعرون بأنها تُعلن عن الحق وأن عبادة الأصنام باطلة.فانقلب الإمبراطور إلى وحشٍ كاسرٍ، وأصرّ على إيقاد أتون نارٍ يُلقى فيهالعلماء والفلاسفة الذين خذلوه. فكانت كاترين تشجّعهم وهي تُعلن لهم بأن أبواب السماء مفتوحة وأن السمائيين بفرحٍ يستقبلونهم، و تقدم الحراس وألقوا بالعلماءوالفلاسفة في أتون النار في ليلة 17 نوفمبر عام 307م..
ثار الإمبراطورجدًا وأمر بجلد كاترين بكل عنف وتمزيق كل جسدها. جُلدت لمدة ساعتين حتى تمزق جسمهاوسالت دماؤها الطاهرة لتغطي المكان .و أُرسلت إلى السجن فكانت تشكر اللَّهوتسبحه على هذه النعمة أنها تأهلت أن تتألم لأجله.ظلّت في السجن اثني عشر يومًامتتالية وقد ضمّد الرب جراحاتها وسندها بطريقة ، واتجه مكسيميانوس شمالاً إلى مصب النيل لتفتيش الحصون على حدود مصر الشمالية.
تعجّبت فوستينا زوجةمكسيميانوس من كاترين أثناء حوارها مع العلماء والفلاسفة كما مع الإمبراطورنفسه، وكانت تُدهش لإيمانها وشجاعتها.و شاهدت فوستينا بالليل رؤيا كأن كاترين جالسةعلى عرشٍ من نورٍ، وقد دعتها لتجلس بجوارها، ووضعت تاجًا على رأسها، استيقظت فوستينا وطلبت من قائد السجنبورفيروس أن يأخذها إلى كاترين، ودهش الاثنان إذ نظراها قد شُفيت تمامًا من كل جراحها ، وكانت تحدثهما عن خلاصهما وعن ملكوت السموات،كما تنبأت لهما كاترين بأنهما سيكابدان أقسى العذابات بعد ثلاثة أيام.
عاد الإمبراطور واستدعى الفتاة، وكان يتوقّع أنه سيروي غليله من تلك الفتاة التي أهانت كبرياءه عندمايجدونها في السجن جثة هامدة. لكن أشد ما كانت دهشته وغضبه عندما رآها بصحة جيدةسليمة معافاة بقوة الرب . صار يلحّ عليها أن تقبل الزواج منه، فوبّخته بشدة لنقضها القوانين من أجل إشباع شهواته. فلم يحتمل الإمبراطور تهكّم الفتاة فخرج غاضبًا.
وهنا تدخل الحارس الخاص بالإمبراطور وأخبره بأن لديه فكرة بها يُلزم الفتاة أن تتعبد للأصنام وأن تتزوجه ، وهي أن تُربط الفتاة بحبال قوية يرفعوها على آلة بها عجلات تدور بحركة عكسية مزودة بأسنان حديدية حادة ، فعندما تبدأ العجلاتتتحرك تحدث فرقعة مخيفة جدًا فتضطر الفتاة إلى الاستسلام وإلا تموت.
راقت الفكرة للإمبراطور وأراد تنفيذها وأمر بالقبض على كاترين فتقدّمت الفتاة بشجاعة دون اضطراب، وسلّمت جسدها لربطها بالحبال ورفعها لينزلوها على الأسنان الحديدية الحادة. لكن ما أن رفعوها حتى امتدّت يد خفية قطعت الحبال ودحرجت كاترين على الأرض بعيدًاعن الآلة. وإذ تقدم الجلادون محاولين رفعها ثانية خارت قواهم فسارت الآلة عليهمبأسنانها الحديدية فتقطّعت أجسامهم وماتوا.
فآمن كثيرون عندما شاهدوا ماحدث، أما فوستينا فتقدّمت نحو زوجها ووبّخته في حضرة الجماهير على وحشيته، وأعلنتإيمانها أمام الجميع .
وهنا الإمبراطور صوابه عندما عرف أنزوجته وبورفيروس حارس السجن قد آمنا فأمر بتعذيبها وقطع رأسيهماومعهما مائتين من الجنود كانوا قد آمنوا .
شعر الإمبراطور بفشله فيتعذيب كاترين فأمر بنفيها ومصادرة ممتلكاتها. تأسّفت كاترين أنها لم تحظَ بشرف الاستشهاد. ولم يستطع الإمبراطور نسيان ما فعلته معه تلك الفتاة ، وفي نوبة جنونيةأمر بقطع رأسها بدلاً من نفيها، وقد تم ذلك في 25 نوفمبر سنة 307م.
استشهدت كاترين في الإسكندرية. وبعد استشهادها بخمسة قرون رأى راهب في سيناء جماعةمن الملائكة يحملون جثمانها الطاهر، ويطيرون به ويضعونه بحنان على قمة جبل فيسيناء. انطلق الراهب إلى قمة الجبل فوجد الجسد الطاهر كما نظره في الرؤيا، وكان يشعمنه النور. حمله الراهب إلى كنيسة موسى النبي. ثم نُقل الجثمان بعد ذلك إلى كنيسة التجلي في الدير الذي بناه الإمبراطور جوستنيان في القرن السادس، وعُرف الديرباسم دير سانت كاترين
ارجو الرج علي الموضوع